اللغة العربية جميلة ولكن، لإيلي فوده

خفض مكانتها هو تعبير عن روح العصر التي بدأت تهب على المجتمع الإسرائيلي في بداية سنوات الألفين.
http://www.alquds.co.uk/?p=1005951

الانتداب البريطاني انتهى كما هو معروف في عام 1948، لكنه ترك خلفه نظام قوانين وأنظمة وإجراءات ما زالت سارية حتى بعد سبعين سنة. هكذا هو الأمر بشأن اللغة العربية، التي بقيت لغة رسمية إلى جانب اللغة العبرية. في وثيقة الاستقلال لم يكتب أي شيء بخصوص اللغة العربية، لكن من روح المساواة التي تهب من الوثيقة يمكن الاستنتاج بأنه لم يحدث أي تغيير في مكانتها.
حكومات إسرائيل المتعاقبة لم تغير وضع اللغة العربية، ولا حتى في فترة الحكم العسكري في مناطق التجمعات السكانية العربية (1949 ـ 1966). ما ينص عليه قانون القومية بأن هناك «مكانة خاصة» للغة العربية، في حين أن اللغة العبرية هي لغة الدولة الرسمية، خلقت للمرة الأولى تراتبية رسمية بين اللغتين، والعربية هي لغة ثانوية، مكانتها الدقيقة في القانون ستحدد في فترة لاحقة، إذا حدث ذلك.
تاريخ اللغة العربية كلغة رسمية في دولة إسرائيل عرف حالات ارتفاع، لكن بالأساس حالات هبوط. إن جهود الكثيرين من وزراء التعليم وعلى رأسهم اسحق نافون ـ من أجل إدخال تعليم اللغة العربية بشكل إلزامي إلى المدارس ـ كانت أحزاب في الائتلاف الحكومي والمعارضة قد واجهت تلك الجهود بمعارضة سياسية. مع ذلك، في 1995 نجحت وزارة التعليم برئاسة امنون روبنشتاين في إدخال تعليم العربية بشكل إلزامي كلغة ثانوية إلى الصفوف من الثامن إلى العاشر. تلك كانت سنوات أوسلو، عندما كانت المسيرة السلمية في ذروتها. ولكن لم ينجح أي وزير تعليم في إدخال العربية إلى التعليم الأساسي وإلزام خريجي النظام التعليمي بتقديم امتحان اللغة العربية مثلما هو الأمر بالنسبة للغة الإنجليزية. في جهاز التعليم العربي يتم امتحان الطلاب باللغات الثلاثة.
علامة فارقة إيجابية أخرى في مكانة اللغة العربية هي قرار محكمة العدل العليا في 2002، في أعقاب التماس قدمته جمعية حقوق الإنسان وجمعية عدالة، بأنه من الواجب على المدن المختلطة الاهتمام بأن تكون اللافتات في المدن باللغة العربية أيضا. هناك من يعتبرون هذا القرار نوعا من قرارات المحكمة بأن اللغة العربية هي لغة رسمية في إسرائيل. ولكن منذ عام 2001 طرح أعضاء كنيست من اليمين ـ الأول كان ميخائيل كلاينر من الليكود ـ مشاريع قوانين تلغي مكانة اللغة العربية، وتبقي العبرية كلغة رسمية وحيدة. في مشاريع قرار أعضاء الكنيست من اليمين تعاملوا مع اللغة العربية كلغة «رسمية ثانوية»، لغة «ذات أهمية خاصة» و«مكانة خاصة» ـ كل هذه صيغ نظيفة تعني خفض مكانة اللغة العربية.
نظرة أوسع تبين إلى أين تدهورت الديمقراطية الإسرائيلية. الكسندر يعقوبسون أوضح كيف أن كرواتيا وصربيا ولاتفيا ـ الدول الثلاثة المصنفة قريبا من إسرائيل في مقياس منظمة «فريدم هاوس» ـ تتناول في قوانينها بصورة متساوية الأقليات فيها («هآرتس»، 7/8). ومن المفاجئ أكثر اكتشاف أن المغرب، المصنف في مرتبة منخفضة في مقياس الحرية العالمي، قام بتعديل دستوره في عام 2011 بحيث ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، لكن الأمازيغية كذلك (اللغة البربرية) هي لغة رسمية في الدولة لكونها تراثًا مشتركا لكل المغاربة. الصيغة تظهر التدرج حقًا، لكن بصورة لطيفة وغير ضارة.
إن خفض مكانة اللغة العربية هو تعبير عن روح العصر التي بدأت تهب في المجتمع الإسرائيلي في بداية سنوات الألفين نتيجة التغييرات الديمغرافية والسياسية. وخيبة الأمل من فشل العملية السلمية ومن الانتفاضة الفلسطينية الثانية هي أيضًا تعبر عن تغييرات أيديولوجية في اليمين. في عام 1944 كتب مناحيم بيغن في أحد منشورات ايتسل بأن «اللغة العبرية واللغة العربية ستكونان لغة البلاد، لن يكون تمييز بين عربي ويهودي في الحصول على وظيفة حكومية أو عامة». بعد مرور 75 سنة سحقت أفكار جابوتنسكي وبيغن على أيدي ورثة التنقيحيين.
من المهم أن نذكر أن اللغة العبرية واللغة العربية لم تكونا في أي يوم متساويتين. إن هيمنة اللغة العبرية توجد في كل مجالات الحياة، بما في ذلك المحاكم ونقاشات الكنيست، والمجتمع العربي لا يحارب هذه الظاهرة بل يسلم بها. لذلك فإن خفض مكانة اللغة العربية هو في أساسه رمزي، ولكن له تداعيات سيئة: أولًا، هو يعبر عن عجز المجتمع اليهودي في رؤية «الآخر». وفي أوضاع الصراع، يتم تحديد الهوية وترسيخها بواسطة نزع شرعية الآخر، ولكن بعد مئة سنة من الصراع يبدو أن الهوية الإسرائيلية ـ اليهودية قوية كفاية من أجل الاعتراف بالآخر بدون الشعور بالتهديد. ثانيا، هي تعزز رؤية الدولة المحاصرة، المحاطة بمحيط عربي وإسلامي.
يمكن اللغة أن تمثل جسرا بين الثقافات، لكنه جسر أحادي الاتجاه، فيه الأقلية تتعلم لغة الأكثرية، لا تخلد فقط هيمنة الأغلبية التي تؤدي إلى إهانة الأقلية، بل هي أيضا تؤدي إلى عزل الأغلبية اليهودية عن الفضاء.
من أجل الاندماج في الفضاء، يجب على إسرائيل الاعتراف بثقافة الآخر ولغته وتعلمها، بالتحديد بعد أن انفتحت إسرائيلي قليلاعلى المنطقة، ووقعت على اتفاقات سلام مع جارتين لها، وهي تقيم علاقات علنية وسرية مع السلطة الفلسطينية ومع عدد من الدول العربية، هي آخذة في الانغلاق.
النقاش في لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست لإحياء يوم اللغة العربية في 2016 ، وقال بني بيغن وبحق بأن هدف القانون المقترح «ليس تعظيم اللغة العبرية، بل إقصاء اللغة العربية». المجتمع اليهودي، بمختلف أقسامه السياسية، يجب أن يعارض ذلك وبكل وسيلة.

هآرتس 30/8/2018

Related posts

Leave a Comment